الكرد في سورية بين الواقع والتاريخ .
الثلاثاء, 17 أبريل 2012 01:30 .. .طريف الخياط
أن تتعرض لاضطهاد الأقوياء وتمارسه بدورك على الضعفاء هو ما يمكن أن يسمى بازدواجية الأخلاق. تعتبر القضية القومية الكردية من أكثر قضايا المنطقة تعقيدا، انتهجت حيالها كل من تركيا و إيران والعراق وسورية استراتيجية ضمنية مجحفة باعتبارها خطرا على الأمن القومي لتلك الدول قد يتسبب باقتطاع مساحات واسعة من أراضيها، في رقعة تضم أهم الخزانات النفطية و المائية في المنطقة.
من الخطأ النظر إلى قضية الكرد في سورية بمعزل عن الإطار التاريخي لنضال كردي مليء بالوعود المخيبة للآمال، تعود جذوره لمعاهدة سيفر عام 1920 التي مثلت أول اعتراف دولي بحدود مبدئية لخارطة كردستان، أعيد اقتسامها في معاهدة لوزان الثانية عام 1923 إرضاء لتركيا الكمالية بدعم غربي. وفي عام 1946 قامت جمهورية مهاباد الكردية في أذربيجان الإيرانية واستمرت لأقل من عام، قوض أركانها الجيش الإيراني بعد انسحاب السوفيات. يستمر تاريخ القرن الماضي في سرد قصة نضال مؤلم، استغلت خلالها القضية الكردية كورقة سياسية يسهل التخلي عنها، ففي حين كانت إيران تدمر القرى الكردية على أراضيها وسورية تضطهد الكرد في شمالها الشرقي، كانت الأسلحة تعبر إلى كرد العراق من الأولى وكرد تركيا من الثانية، وفي الحالتين تم سحب الغطاء عن الكرد في تسويات لم تضعهم ضمن حساباتها. لقد نتج عن توزع الكرد إداريا ضمن أراضي عدة دول خصوصية ثقافية وسياسية تطبع المجموعات الكردية حسب الدولة التي تتبع لها، حيث تتنوع الأبجديات التي تكتب بها اللغة الكردية و تتنوع لهجاتها وتختلف مشاكلها الاجتماعية ومطالبها السياسية تبعا للحقوق القومية الممنوحة لها في كل دولة، لكنهم استمروا في النضال يجمعهم حلم واحد بوطن تحت علم كردستان.
تضع القضية الكردية بثقلها في المشهد السياسي السوري، وتبذل قوى المعارضة المختلفة قصارى جهدها لاستقطابهم. وبين لامركزية الدولة التي تنادي بها هيئة التنسيق الوطنية، وتوسيع صلاحيات الحكم المحلي مع الاعتراف الدستوري بالقومية الكردية التي تعهد بها المجلس الوطني السوري، تتوزع أحزاب المعارضة الكردية. فيتحالف حزب الاتحاد الديموقراطي النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني التركي- مع الهيئة ويسعى لفرض حل بالقوة على طريقة نظيره التركي، في حين أن المجلس الوطني الكردي يتبنى نهج الحوار مع الوطني السوري للحصول على التعهدات والضمانات لتثبيت الحقوق الكردية المشروعة. لا شك أن المجلسين الوطنيين الكردي و السوري الذي يحظى بشرعية دولية- يتمتعان بقبول أكبر ضمن شارعيهما خصوصا في فئة الشباب، لكن التباينات السياسية السابقة تفرض نفسها في الكواليس وسط مخاوف من تكرار نسخة سيئة من النموذج العراقي، تهدد بتعدد الأقاليم التي قد لا تقتصر على الكرد، في مساحة جغرافية ضيقة، ما قد ينجم عنه توزيع غير عادل لثروات البلاد وحدودها الجغرافية البرية والبحرية. يجب أيضا أخذ الخصوصية الكردية بعين الاعتبار في الحالة السورية، حيث لا يزيد تعداد الكرد عن 10في في أحسن تقدير و لا تتمتع تجمعاتهم الرئيسية بالاتصال الجغرافي، تركيا بدورها طرف ثالث في الأزمة، إذ لا يمكن تجاهل تأثيرها على قرار المجلس الوطني السوري أو تجاهل صراعها التاريخي ومخاوفها من الكرد على أراضيها، ما يجعل موقف المجلس الوطني السوري من القضية الكردية طرحا متقدما بحد ذاته، يقوم على تبني الممكن من الحلول.
«لا أصدقاء للكرد سوى الجبال» عبارة شهيرة للملا مصطفى البارزاني، تشكل خلاصة تاريخية في الفكر الجمعي للشعب الكردي، ما يجعل الحذر المفرط في مناخ من عدم الثقة سمة عامة للشخصية السياسية الكردية، يجب على العرب أن يتفهموها. حق تقرير المصير للشعب الكردي هو قضية أخلاقية محقة، لكنها خارج صلاحيات المجلس الوطني السوري، وتقع على عاتق هيئة منتخبة لصياغة الدستور الوطني. المطلوب اليوم من جميع القوى التحلي ببعض الواقعية السياسية، وتقبل حلول تراعي الخصوصية السورية ولا تدمر كيانها كدولة ذات سيادة و قابلة للحياة. فالهدف المرحلي هو إقامة دولة المواطنة التي تتكفل بحل أزمة بين شعبين، لا يمكن اختزال تاريخهما المشترك بأخطاء من القرن الماضي، ساهمت فيها جميع شعوب المنطقة.
عن الرأي الكويتية
الثلاثاء, 17 أبريل 2012 01:30 .. .طريف الخياط
أن تتعرض لاضطهاد الأقوياء وتمارسه بدورك على الضعفاء هو ما يمكن أن يسمى بازدواجية الأخلاق. تعتبر القضية القومية الكردية من أكثر قضايا المنطقة تعقيدا، انتهجت حيالها كل من تركيا و إيران والعراق وسورية استراتيجية ضمنية مجحفة باعتبارها خطرا على الأمن القومي لتلك الدول قد يتسبب باقتطاع مساحات واسعة من أراضيها، في رقعة تضم أهم الخزانات النفطية و المائية في المنطقة.
من الخطأ النظر إلى قضية الكرد في سورية بمعزل عن الإطار التاريخي لنضال كردي مليء بالوعود المخيبة للآمال، تعود جذوره لمعاهدة سيفر عام 1920 التي مثلت أول اعتراف دولي بحدود مبدئية لخارطة كردستان، أعيد اقتسامها في معاهدة لوزان الثانية عام 1923 إرضاء لتركيا الكمالية بدعم غربي. وفي عام 1946 قامت جمهورية مهاباد الكردية في أذربيجان الإيرانية واستمرت لأقل من عام، قوض أركانها الجيش الإيراني بعد انسحاب السوفيات. يستمر تاريخ القرن الماضي في سرد قصة نضال مؤلم، استغلت خلالها القضية الكردية كورقة سياسية يسهل التخلي عنها، ففي حين كانت إيران تدمر القرى الكردية على أراضيها وسورية تضطهد الكرد في شمالها الشرقي، كانت الأسلحة تعبر إلى كرد العراق من الأولى وكرد تركيا من الثانية، وفي الحالتين تم سحب الغطاء عن الكرد في تسويات لم تضعهم ضمن حساباتها. لقد نتج عن توزع الكرد إداريا ضمن أراضي عدة دول خصوصية ثقافية وسياسية تطبع المجموعات الكردية حسب الدولة التي تتبع لها، حيث تتنوع الأبجديات التي تكتب بها اللغة الكردية و تتنوع لهجاتها وتختلف مشاكلها الاجتماعية ومطالبها السياسية تبعا للحقوق القومية الممنوحة لها في كل دولة، لكنهم استمروا في النضال يجمعهم حلم واحد بوطن تحت علم كردستان.
تضع القضية الكردية بثقلها في المشهد السياسي السوري، وتبذل قوى المعارضة المختلفة قصارى جهدها لاستقطابهم. وبين لامركزية الدولة التي تنادي بها هيئة التنسيق الوطنية، وتوسيع صلاحيات الحكم المحلي مع الاعتراف الدستوري بالقومية الكردية التي تعهد بها المجلس الوطني السوري، تتوزع أحزاب المعارضة الكردية. فيتحالف حزب الاتحاد الديموقراطي النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني التركي- مع الهيئة ويسعى لفرض حل بالقوة على طريقة نظيره التركي، في حين أن المجلس الوطني الكردي يتبنى نهج الحوار مع الوطني السوري للحصول على التعهدات والضمانات لتثبيت الحقوق الكردية المشروعة. لا شك أن المجلسين الوطنيين الكردي و السوري الذي يحظى بشرعية دولية- يتمتعان بقبول أكبر ضمن شارعيهما خصوصا في فئة الشباب، لكن التباينات السياسية السابقة تفرض نفسها في الكواليس وسط مخاوف من تكرار نسخة سيئة من النموذج العراقي، تهدد بتعدد الأقاليم التي قد لا تقتصر على الكرد، في مساحة جغرافية ضيقة، ما قد ينجم عنه توزيع غير عادل لثروات البلاد وحدودها الجغرافية البرية والبحرية. يجب أيضا أخذ الخصوصية الكردية بعين الاعتبار في الحالة السورية، حيث لا يزيد تعداد الكرد عن 10في في أحسن تقدير و لا تتمتع تجمعاتهم الرئيسية بالاتصال الجغرافي، تركيا بدورها طرف ثالث في الأزمة، إذ لا يمكن تجاهل تأثيرها على قرار المجلس الوطني السوري أو تجاهل صراعها التاريخي ومخاوفها من الكرد على أراضيها، ما يجعل موقف المجلس الوطني السوري من القضية الكردية طرحا متقدما بحد ذاته، يقوم على تبني الممكن من الحلول.
«لا أصدقاء للكرد سوى الجبال» عبارة شهيرة للملا مصطفى البارزاني، تشكل خلاصة تاريخية في الفكر الجمعي للشعب الكردي، ما يجعل الحذر المفرط في مناخ من عدم الثقة سمة عامة للشخصية السياسية الكردية، يجب على العرب أن يتفهموها. حق تقرير المصير للشعب الكردي هو قضية أخلاقية محقة، لكنها خارج صلاحيات المجلس الوطني السوري، وتقع على عاتق هيئة منتخبة لصياغة الدستور الوطني. المطلوب اليوم من جميع القوى التحلي ببعض الواقعية السياسية، وتقبل حلول تراعي الخصوصية السورية ولا تدمر كيانها كدولة ذات سيادة و قابلة للحياة. فالهدف المرحلي هو إقامة دولة المواطنة التي تتكفل بحل أزمة بين شعبين، لا يمكن اختزال تاريخهما المشترك بأخطاء من القرن الماضي، ساهمت فيها جميع شعوب المنطقة.
عن الرأي الكويتية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق