كافة
جيران الشعب الكردي الذين عاشروه منذ آلاف السنين ؛ يشهدون بأنه شعب مسالم
يحترم جيرانه ويتمنى لهم الخير والسلام ؛ وحين يتعرض لأي إعتداء من قبل
أحد الجوار فإنه يصبر ويتحمل ظلم ذوي القربى ولا يرتد ضدهم ولا يعاملهم
بالمثل ولا يعاديهم بل ينحى إلى الصلح والمصالحة معهم على الدوام .
ويشهد
تاريخ المنطقة بأن هذا الشعب الآمن ؛ كان وسيبقى ملتزماً بتعامله الإيجابي
مع الآخرين ؛ ولا يحمل أية كراهية أو نوايا كيدية ضد اية جهة مهما ظلمته
وجارَت عليه ؛ والامثلة على هذه الخصائل الإيجابي كثيرة ولا تعد ولا تحصى ؛
وذلك على مبدأ : عفا الله عما مضى والعفو عند المقدرة .
وبالقياس
على مسبق ؛ فإنني أعتقد بأنّ الشعب الكردي في سوريا سوف يتصرف مع جيرانه
وفق نفس هذا المنوال السلمي ولن يسعى لأية ردة فعل سلبية ولن يشكل أي خطر
لا على العرب ولا على الأتراك ولا على الفرس ولا على غيرهم ؛ وسيصبح الضامن
الفعلي لحل معادلة التوافق السياسي الديمقراطي بعد سقوط نظام الأسد الذي
أيقظ الفتن الطائفية والقومية وغيرها من السياسات الشوفينية التي ينبغي أن
ينساها السوريون وأن تصبح العقلية الإقصائية في خبر كان بعد انتصار الثورة
ورحيل هذا النظام القابع فوق صدور الجميع على مدى عقود زمنية ظلماء وعجاف .
ولعل
الكل بات يعرف بأن الطرف الكردي لديه خيارات بنّاءة في خضم هذا الربيع
السوري ؛ فكافة الاحزاب والفعاليات الكردية تلاقت فيما بينها منذ بداية
الثورة وأعادت ترتيب البيت الكردي وتوحدت في إطار المجلس الوطني الكردي ؛
وإتبعت الحركة الكردية في كافة محافلها خطاباً سياسياً معقولا ؛ وإعتبرت
نفسها جزءا من الثورة السورية وطالبت بإسقاط النظام وتحويل سوريا إلى دولة
ديمقراطية تعددية يحكمها نظام لامركزي يعترف بوجود الشعب الكردي في مناطقه
ويضمن حقوقه القومية وفق الاعراف والقوانين الدولية بعيداً عن الإقصاء الذي
كان يعتمده نظام البعث الآيل للسقوط بفضل الضربات الموجعة التي يتلقاها
على أيدي ثوارنا العرب والكرد وغيرهم من أبطال ثورة الحرية والكرامة
المشتعلة في سوريا السائرة حاليا في ركاب خلق بديل أكثر أمناً وإستقرار
لسوريا ولكافة دول الجوار والعالم .
وإنّ
المطلوب من مختلف المكونات السورية في هذا البلد الذي إحتضن آباءنا
وأجدادنا ويحتضننا حاليا وسيحتضن أجيالنا القادمة أيضا ؛ أنْ تسعى نحو
تسوية الخلافات البينية بشكل توافقي وأن تحاول لتنقية الأجواء وأن تلتقي
وتتواصل وتتحاور فيما بينها وفق أسس ديمقراطية وقواسم مشتركة من شأنها
توفير التسامح ولمّ الشمل وليس خلق الفتنة والخصام والتشتت على هذه الخلفية
السياسية الغير مفهومة أو تلك النزعة العدوانية الغير نافعة كالنزاعات
المذهبية التي عفا عليها الدهر .
وإنّ
إقصاء أو تغييب أي مكوّن قومي أو ديني أو مذهبي (عربي أو كردي أو سني أو
علوي أو مسيحي أو درزي أو كلدوآشوري أو غير ذلك) عن الساحة السورية في هذا
الوقت وبعد سقوط نظام البعث ؛ وعدم السماح له بممارسة إستحقاقاته في مرحلة
إعادة هيكلة الدولة ؛ ومحاولة منعه من المساهمة بدوره الإيجابي كطرف فاعل
وكشريك حقيقي في إدارة وتفعيل توازنات معادلة الإسهام في البنى التحتية
والفوقية الآوية لأممنا المتتاخمة في هذه الدولة . والتي خاضت جنباً إلى
جنب مختلف الحروب دفاعاً عن الأرض والعرض؛ إنْ دلّ على شيئ إنما يدلّ على
أنه سلوك فوقي ( أي الإقصاء ) نابع عن طبائع إستبدادية غريبة عن أطوارنا
شعوبنا المظلومة وتلغي ألف باء الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان ومتطلبات
التعايش المشترك الذي لا عوض عنه سبيلاً أمامنا ؛ للتمكّن من إجتياز مختلف
الأزمات التي إفتعلتها الأنظمة الشمولية إستحلت بلداننا لعقود كانت مليئة
بفرمانات فوقية أدت فيما أدت إلى المزيد من التمييز والتفرقة بين أممنا
المتجاورة منذ الأزل .
وإن
كان هنالك رهان ما على طرف ما قد يلعب دوراً فاعلا في مسعى بلوغ مناخات
التشارك بين شعوبنا (العربية والكردية وأياً كان إنتماءها العرقي أو الديني
أوغير ذلك) فهو التطلـّع لما قد تقوم به الأطراف السياسية الناشطة وسط هذه
المكونات المتشاركة معاً في اندلاع واستمرار هذ الثورة المظفرة ؛ خاصة وأن
مكتنفات شارعنا السوري قد أضحت ثائرة وتمرّ بربيع زاهر وحافل بمختلف
الإحتمالات التي قد تدفع بمختلف الملفات السورية نحو خانة ايجاد الحلول
رغما عن الممانعين سلبياً بجيرتنا التي يريدون حشرها في غفلة عنا إلى هاوية
الإحترابات الفئوية المقيتة ؛ عبر
حشرالجميع في مربع الخلافات لنغوص بشكل جماعي في مسلسلات العنف التي قد
تحصد الرؤوس على الهوية وتبعث القشعريرة في الأبدان وتؤدي للإستشعار بالخوف
على مستقبل علاقات أممنا التي ينبغي أن تبقى متقاربة رغم فتاوي رؤوس
الفتنة المندسين بين مجتمعاتنا التائهة وسط حقول ألغام متعددة الأشكال
والألوان ومن صنع صنـاع الموت المنتشرين بين شعوبنا الرافضة للخطاب الطائفي
.
وبناء
عليه فقد جاء الوقت لكي نتجاوز خلافاتنا كشرط رئيسي لإسقاط النظام
والتنعُّم فيما بعد بعيش مشترك مبني على التساوي في الحقوق والواجبات التي
لن تتوفر إلا في رحاب قوانين الدولة العلمانية العصرية التي بحولها إنصاف
الجميع في مناخ ديموقراطي تعددي لامركزي .
وإنّ
المطلوب من جيران الكرد (أيا كانت عقيدتهم وطائفتهم وقوميتهم) ؛ هو أنْ
يكفوا عن تفكيرهم الإقصائي وعن الأحكام الفوقية المسبقة وأنْ يفتحوا معهم
صفحة جديدة وأنْ يلتزموا بالقوانين الدولية ويحترموا تعاليم الأديان
السماوية التي أوصت بالحرص على سابع جار؛ فنحن الكرد شعب أصيل ونحترم
جيراننا ولنا خصوصيتنا العرقية وحقوقنا القومية وآمالنا هي أمال مشروعة
وطموحاتنا كثيرة لكننا مقتنعين تماماً بأنها لن تتحقق إلا عبر التجاذب
والحوار مع الآخرين وليس بالإقتال والحروب ؛ ولذلك سوف نبقى كما كنا نحتكم
لشعار (نحو بناء سوريا لكل السوريين) ؛ فهل لدى جيراننا
الآخرين نفس الشعور الإنساني ليبادلوننا به ؛ أم أننا سنبقى أسرى للتناقضات
الشعوبية المضرّة بكافة الأطراف ؛ في كافة الأحوال سيبقى الكرد متفائلون
ببناء أفضل العلاقات مع الشعوب الأخرى المحيطة بهم بشرياً وسياسياً
وجغرافياً .
م.الياس اوسو: ناشط كردي سوري
الجمعة 21-9-2012